حكم تحديد النسل في الإسلام هو من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء بناءً على الأدلة الشرعية والمقاصد المرعية، وفيما يلي توضيح للحكم الشرعي وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية والموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية:
أولًا: تعريف تحديد النسل
هو منع الحمل بشكل مؤقت بوسائل مشروعة (كاستخدام حبوب منع الحمل أو العزل) لأسباب معينة، مثل:
- الحفاظ على صحة الأم.
- تنظيم الفترات بين الأحمال.
- التخطيط الأسري لتحقيق الاستقرار المادي أو الاجتماعي.
أما التعقيم الدائم (كربط الأنابيب أو قطع القناة المنوية) فهو يُعد “تحديدًا دائمًا” للنسل، ويختلف حكمه عن التنظيم المؤقت.
ثانيًا: الحكم الشرعي لتحديد النسل
اختلف العلماء في حكمه على النحو التالي:
1. الجواز بشروط:
- الأدلة:
- قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الإسراء: 31].
(الآية تُحرِّم قتل الأولاد بسبب الفقر، ولا تُحرِّم تنظيم النسل). - حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا» (رواه البخاري).
(العزل هو أسلوب قديم لمنع الحمل، ولم ينهَ عنه النبي صلى الله عليه وسلم). - الشروط:
- أن يكون التنظيم مؤقتًا (لا يمنع الإنجاب إلى الأبد).
- وجود سبب مشروع (كخوف على صحة الأم أو تعليم الأبناء).
- موافقة الزوجين؛ لأنه حق مشترك.
2. المنع:
يرى بعض العلماء تحريمه إذا كان بدافع:
- التخوّف من الرزق: لقول الله تعالى: ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾.
- كره الأولاد دون سبب شرعي.
- التقليد الأعمى للغرب في الحد من النسل.
ثالثًا: الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية
- الفتاوى الرسمية:
أفتت هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة بأن تحديد النسل جائز مؤقتًا لضرورة مقصودة شرعًا، مثل: - وجود خطر على صحة الأم.
- عدم قدرة الأسرة على تربية الأولاد تربوية سليمة.
- السياسات الحكومية:
تتبنى المملكة سياسات تشجيع النسل كجزء من الهوية الإسلامية، لكنها تُقدِّم خدمات تنظيم الأسرة في المستشفيات لأسباب صحية، دون ترويج لسياسات تحديد النسل الإلزامية.
رابعًا: الفرق بين تحديد النسل وتنظيمه
- تنظيم النسل:
جائز شرعًا؛ لأنه يهدف إلى تباعد الأحمال لصحة الأم والطفل، وهو ما تدعمه الشريعة. - تحديد النسل المطلق:
ممنوع إذا كان يهدف إلى منع الحمل نهائيًّا دون سبب طبي، لأنه يتعارض مع مقاصد الزواج في الإسلام (الإنجاب وتعمر الأرض).
خامسًا: حالات يجوز فيها التنظيم
- خطر على صحة الأم (كأن تكون مصابة بأمراض قلبية).
- وجود أمراض وراثية قد تنتقل إلى الأبناء.
- الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيق تربية الأبناء.
(بشرط ألا يكون الدافع هو الوهم أو الجهل بقدرة الله على الرزق).
سادسًا: وسائل منع الحمل المُجمع على حرمتها
- التعقيم الدائم (كربط المبايض) دون سبب طبي.
- الإجهاض بعد مرور 40 يومًا من الحمل (عدا لحالات الخطر على الأم).
- استخدام وسائل تضر بالجسم أو تُذهب العقل.
سابعًا: فتاوى معاصرة
- الشيخ ابن باز:
أجاز التنظيم المؤقت لضرورة، لكنه حرَّم تحديد النسل بدافع التخوّف من الفقر. - الشيخ ابن عثيمين:
أكد أن الأصل في النكاح الإنجاب، لكنه أجاز التنظيم المؤقت بشرط ألا يكون دائماً.
الخلاصة
الأصل في الشريعة تشجيع الإنجاب، لكن يجوز التنظيم المؤقت لضرورة تقدر بقدرها، مع مراعاة الضوابط الشرعية. أما التعقيم الدائم أو منع الحمل بدافع التقاليد أو الخوف من الرزق فهو ممنوع.
والسعودية -كبلد يُطبّق الشريعة- تسمح بالتنظيم لسبب صحي عبر مرافقها الطبية، دون تبني سياسات تحد من النسل.