قانون الوصية الشرعية في السعودية: دليل شامل لأحكامها وشروطها وتطبيقها

قانون الوصية الشرعية في السعودية: دليل شامل لأحكامها وشروطها وتطبيقها

يعد قانون الوصية الشرعية في السعودية أداة قانونية وشرعية بالغة الأهمية، تتيح للمسلم التصرف في جزء من أمواله بعد وفاته، بما لا يتعارض مع أحكام الميراث الشرعية. هي فعلٌ قربةٍ إلى الله، وفرصة للموصي لتدارك ما فاته من خير، أو لسداد دين، أو للمساهمة في عمل خيري. ينظم نظام الأحوال الشخصية السعودي الجديد أحكام الوصية بدقة، موفرًا إطارًا قانونيًا واضحًا يضمن صحة الوصايا وتنفيذها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. هذا المقال يقدم دليلاً شاملاً حول قانون الوصية الشرعية في السعودية، مسلطاً الضوء على أركانها، شروطها، وإجراءات تنفيذها.

المفهوم والأهمية الشرعية والقانونية للوصية

الوصية لغةً هي إيصال شيء بشيء، وشرعًا هي: “تَبَرُّعٌ بِمالٍ مضافٌ إلى ما بعد الموت”. أي أن الموصي يوصي لشخص أو جهة بمال أو منفعة، على أن تُنفذ هذه الوصية بعد وفاته.

تستمد الوصية أهميتها من عدة جوانب:

  • الأصل الشرعي:

    حثّ الإسلام على الوصية، خاصةً لمن لديه أموال أو حقوق للغير، لقوله تعالى: ”

    “. كما أنها قربة يتقرب بها المسلم لربه.

  • تصرف اختياري:

    هي تصرف إرادي اختياري من الموصي، بخلاف الميراث الذي هو حكم شرعي جبري يفرض على الورثة.

  • جبر النقص:

    تتيح الوصية للمسلم جبر أي نقص في عباداته، أو سداد ديونه، أو إعانة محتاج، أو المساهمة في أعمال البر والإحسان.

  • التنظيم القانوني:

    يضمن نظام الأحوال الشخصية السعودي تنظيم الوصية، مما يقلل من النزاعات حولها، ويضمن تنفيذها بشكل سليم وفق مقاصد الشارع.

قانون الوصية الشرعية في السعودية: دليل شامل لأحكامها وشروطها وتطبيقها

أركان قانون الوصية الشرعية في السعودية وشروط صحتها

لكي تكون الوصية الشرعية في السعودية صحيحة ومنفذة، يجب أن تتوافر فيها أركان وشروط معينة، تتعلق بالموصي، والموصى له، والموصى به، والصيغة:

الموصي (صاحب الوصية):

    • الأهلية: يجب أن يكون الموصي كامل الأهلية (بالغًا، عاقلًا، رشيدًا)، وغير محجور عليه، وغير مكره.
    • المالك: يجب أن يكون الموصي مالكًا للمال الموصى به وقت وفاته.

الموصى له (المستفيد من الوصية):

  • الوجود: يجب أن يكون الموصى له موجودًا ومعلومًا وقت وفاة الموصي (إن كان شخصًا محددًا)، أو تكون جهة الوصية موجودة ومعتبرة (كجهة خيرية).
  • عدم الوارث: الأصل في الوصية أن تكون لغير وارث. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث”.
  • استثناء: تجوز الوصية للوارث إذا أجازها جميع الورثة البالغين الراشدين بعد وفاة الموصي، أي بعد تعلق حقهم بالتركة.
  • غير القاتل: لا تصح الوصية لقاتل الموصي إذا كان القتل عدوانًا، جزاءً له وحرمانًا من حقه.

الموصى به (محل الوصية):

    • المالية: يجب أن يكون الموصى به مالاً مقومًا شرعًا، أو منفعة معلومة، أو حقًا مشروعًا.
    • الحد الشرعي (الثلث): يجب ألا تتجاوز الوصية ثلث التركة الباقية بعد سداد الديون ومصروفات الجنازة.
      • لماذا الثلث؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) عندما أراد أن يوصي بماله كله: “الثلث، والثلث كثير”. وهذا لضمان عدم الإضرار بحقوق الورثة.
      • استثناء: تجوز الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها جميع الورثة البالغين الراشدين بعد وفاة الموصي.
    • الوجود عند الوفاة: يجب أن يكون المال الموصى به موجودًا ضمن تركة الموصي عند وفاته.
    • أن يكون مباحًا: لا تجوز الوصية بمال حرام أو منفعة محرمة.

الصيغة (الإيجاب والقبول):

    • الإيجاب: يتمثل في أي لفظ أو إشارة تدل على نية الموصي بالإيصاء (كأن يقول: “أوصيت بـ…” أو “اجعلوا لفلان كذا بعد موتي”).
    • القبول: يجب أن يصدر من الموصى له بالوصية، ويجوز القبول بعد وفاة الموصي. إذا كان الموصى به جهة خيرية، فقبولها يكون بالاستلام أو التصرف فيه.

أنواع قانون الوصية الشرعية وإجراءات توثيقها وتنفيذها

تختلف الوصية الشرعية في السعودية في أنواعها وطرق توثيقها:

  • الوصية المعلقة على شرط: كأن يوصي شخص بمال إذا حدث أمر معين.
  • الوصية المؤقتة: كأن يوصي بمال لمدة معينة.
  • الوصية لجهة خيرية: مثل بناء مسجد أو كفالة أيتام.
  • الوصية الشفهية (القولية): تجوز شرعاً، لكن قد يصعب إثباتها قانونياً، مما يجعلها عرضة للنزاع.
  • الوصية الكتابية: هي الأفضل لضمان الحفاظ على حقوق الجميع وتسهيل الإثبات.

إجراءات توثيق الوصية:

لا توجد صيغة واحدة محددة للوصية، لكن الأفضل أن تكون:

  • كتابية وموقعة: بخط يد الموصي أو مطبوعة وموقعة منه.
  • مشهود عليها: يُفضل أن يشهد عليها شاهدان، أو أكثر، لزيادة قوة الإثبات.
  • موثقة: يمكن توثيق الوصية لدى كاتب العدل، أو كتابة إقرار بالوصية لدى المحكمة. هذا التوثيق يمنح الوصية قوة إثباتية كبرى ويقلل من فرص التشكيك فيها لاحقًا.

إجراءات تنفيذ الوصية:

  1. إثبات الوفاة وحصر الورثة: كما في قضايا الميراث، يتم استخراج شهادة الوفاة وصك حصر الورثة.
  2. إثبات الوصية: يقوم الموصى له أو من ينوب عنه بتقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية لإثبات الوصية، وتقديم ما يثبتها (الوثيقة المكتوبة، شهادة الشهود).
  3. التأكد من الشروط: تتأكد المحكمة من استيفاء الوصية للشروط الشرعية والقانونية (كألا تتجاوز الثلث، وألا تكون لوارث إلا بإجازة، وأهلية الموصي).
  4. الأمر بالتنفيذ: إذا تأكدت المحكمة من صحة الوصية وشروطها، تصدر أمرًا بتنفيذها من تركة الموصي قبل تقسيمها على الورثة.
  5. التنفيذ الفعلي: يتم تنفيذ الوصية من الأموال أو الأصول الموصى بها، ثم تُقسم التركة المتبقية على الورثة.

قانون الوصية الشرعية في السعودية: دليل شامل لأحكامها وشروطها وتطبيقها

شاهد ايضا”

دور المحامي المتخصص في قانون الوصية الشرعية في السعودية

يُعد الاستعانة بـ محامي متخصص في قضايا الوصية الشرعية والمواريث في السعودية أمرًا بالغ الأهمية لعدة أسباب:

  • صياغة الوصية:

    يساعد المحامي في صياغة الوصية بوضوح ودقة قانونية وشرعية، لضمان توافقها مع الأنظمة وتجنب أي لبس قد يؤدي إلى نزاع في المستقبل.

  • التحقق من الشروط الشرعية والقانونية:

    يتأكد المحامي من أن الوصية تستوفي جميع الأركان والشروط الشرعية والقانونية، مثل عدم تجاوز الثلث، وأنها ليست لوارث إلا بإجازة.

  • إجراءات التوثيق:

    يرشد المحامي الموصي إلى أفضل طريقة لتوثيق وصيته (لدى كاتب العدل أو المحكمة) لضمان قوتها الإثباتية.

  • إثبات وتنفيذ الوصايا بعد الوفاة:

    يقوم المحامي بتقديم طلب إثبات الوصية إلى المحكمة بعد وفاة الموصي، ويتابع الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذها.

  • حل النزاعات:

    في حال نشوب نزاع بين الورثة حول صحة الوصية أو تنفيذها، يتولى المحامي تمثيل الموكل (سواء كان الموصى له أو أحد الورثة) أمام المحكمة، ويقدم الدفوع القانونية اللازمة.

  • حماية حقوق الورثة والموصى لهم:

    يضمن المحامي أن الوصية تُنفذ بما لا يضر بحقوق الورثة، وفي نفس الوقت يضمن حصول الموصى له على حقه.

  • تجنب الأخطاء:

    يقي المحامي الموكلين من الوقوع في أخطاء قانونية أو شرعية قد تبطل الوصية أو تعرقل تنفيذها.

قانون الوصية الشرعية والفرق بينه وبين الميراث

من المهم التفريق بين الوصية والميراث، حيث يختلط الأمر على الكثيرين:

وجه المقارنة الوصية الميراث
المستفيد قد يكون وارثًا (بإجازة الورثة)، أو غير وارث (الأصل). يكون لوارث فقط (من ذوي القرابة أو الزوجية أو الولاء).
التصرف تبرع واختيار من الموصي. حق جبري يفرضه الشرع والقانون.
الحد لا تتجاوز الثلث (إلا بإجازة الورثة). لا حد له، يأخذ الوارث نصيبه الشرعي كاملاً.
الوقت تنفذ بعد وفاة الموصي وقبل توزيع التركة. يتعلق حق الورثة به بعد الوفاة وبعد سداد الديون والوصايا.
الإلغاء يمكن للموصي الرجوع عنها أو تعديلها في أي وقت. لا يمكن حرمان الوارث من نصيبه الشرعي (إلا بالقتل أو اختلاف الدين).

قانون الوصية الشرعية في السعودية: دليل شامل لأحكامها وشروطها وتطبيقها

الخاتمة

تُعد الوصية الشرعية في السعودية أداة عظيمة لتحقيق البر والإحسان، وتجسيدًا لإرادة الإنسان في التصرف بماله بعد مماته بما يرضي الله ويخدم الصالح العام. ينظم نظام الأحوال الشخصية السعودي هذه الأداة بشكل دقيق لضمان تطبيقها الشرعي والقانوني. ونظرًا لدقة أحكامها وتعقيد إجراءات تنفيذها، فإن الاستعانة بـ محامي متخصص في قضايا الوصية والميراث ليست مجرد خيار، بل ضرورة حتمية. المحامي الخبير هو السند الذي يضمن صياغة الوصية بشكل سليم، ويتابع إجراءات إثباتها وتنفيذها، ويحل أي نزاعات قد تنشأ حولها، ليطمئن الموصي على نفاذ وصيته، ويضمن الورثة والموصى لهم حقوقهم.

تواصل مع المحامي