دعوى قسمة العقار في النظام السعودي: الإجراءات، التحديات، والضمانات القانونية
المقدمة: قسمة العقار بين العدالة وحفظ الحقوق
تُمثّل دعوى قسمة العقار آلية قانونية لإنهاء الشراكة في الملكية العقارية بين المالكين المشتركين، سواء كانوا ورثة أو شركاء استثماريين. في المملكة العربية السعودية، تُنظَّم هذه الدعوى وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام المدني، بهدف تحقيق الإنصاف ومنع النزاعات التي قد تنشأ عن تعدد الملاك. مع ازدهار القطاع العقاري وزيادة حالات التوريث، أصبح فهم إجراءات قسمة العقار ضرورياً لحماية الحقوق المادية والمعنوية للأطراف.
الفصل الأول: الإطار الشرعي والقانوني للقسمة
1. القسمة في الفقه الإسلامي
أقرت الشريعة الإسلامية حق المالك في طلب قسمة العقار المشترك، استناداً إلى القاعدة الفقهية: “لا ضرر ولا ضِرار”. وتتم القسمة بطريقتين:
- قسمة ودية: بالتراضي بين الشركاء.
- قسمة جبرية: عبر القضاء إذا تعذر الاتفاق.
2. النظام السعودي وقسمة العقار
ينظّم “نظام المرافعات الشرعية” و”نظام الاستثمار العقاري” إجراءات قسمة العقار، مع مراعاة:
- المادة 68 من نظام المرافعات: تُلزم المحكمة بتعيين خبير لتقدير قيمة العقار واقتراح طرق القسمة.
- حقوق الملاك الأصغر: إذا تعذرت القسمة عينياً، يُباع العقار ويُقتسم الثمن.
الفصل الثاني: إجراءات رفع دعوى القسمة
1. الشروط الأساسية
- إثبات ملكية العقار: عبر سند الملكية أو وثيقة التوريث.
- وجود شراكة حقيقية: لا تقبل الدعوى إذا كان العقار مملوكاً لشخص واحد.
2. المستندات المطلوبة
- صك الملكية أو وثيقة الإرث.
- تقارير هندسية: توضح حدود العقار وإمكانية التقسيم.
- إفادات الشركاء: إذا وُجد اتفاق مسبق على القسمة.
3. الخطوات الإجرائية
- محاولة الصلح الودي: تُشجّع المحكمة الأطراف على حل النزاع خارج القضاء عبر مكتب الصلح العقاري.
- رفع الدعوى: تُقدَّم إلى المحكمة العقارية المختصة بمحل العقار.
- تعيين خبير: تقوم المحكمة بتكليف مهندس أو خبير عقاري لتقييم العقار واقتراح طرق القسمة.
- جلسات الاستماع: تُناقش تقارير الخبراء واعتراضات الأطراف.
- الحكم النهائي: إما:
- قسمة عينية: تقسيم العقار فعلياً حسب الحصص.
- بيع العقار وقسمة الثمن: إذا تعذر التقسيم.
الفصل الثالث: التحديات التي تواجه دعوى القسمة
1. تعقيدات التقسيم العيني
- عقارات غير قابلة للتجزئة: مثل الشقق المفردة أو الأراضي ذات المساحات الصغيرة.
- اختلاف قيمة الأجزاء: قد تتفاوت قيمة الأقسام بسبب الموقع أو الخدمات.
2. تعنت أحد الشركاء
يمتنع بعض الملاك عن القسمة لاستغلال العقار أو انتظار ارتفاع قيمته، ما يُطيل الإجراءات.
3. إشكالات التوثيق
- تزوير سندات الملكية: خاصة في حالات التوريث القديمة.
- عدم وضوح الحدود: في الأراضي غير المسورة.
4. البطء القضائي
قد تستغرق الدعوى سنوات بسبب تعاقب الخبراء أو استئناف الأحكام.
الفصل الرابع: الضمانات القانونية لتحقيق العدالة
1. دور الخبرة الفنية
تُعد تقارير الخبراء أساسية لتحديد القيمة العادلة واقتراح حلول هندسية مبتكرة، مثل:
- تبادل الحصص مع تعويضات مالية.
- بناء وحدات سكنية مستقلة على الأرض.
2. آلية البيع الجبري
إذا قررت المحكمة بيع العقار:
- يُعلن عن المزاد العلني عبر منصة إلكترونية معتمدة.
- يُوزع الثمن حسب الحصص المئوية للملاك.
3. عقوبات التعنت
يُمكن للمحكمة إلزام الشريك المعتدي بدفع تعويضات مالية عن الأضرار الناتجة عن تأخير القسمة.
الفصل الخامس: التطورات الحديثة في نظام القسمة
1. المنصات الإلكترونية
أطلقت وزارة العدل خدمة “قاضي” لتقديم دعاوى القسمة إلكترونياً ومتابعة تقارير الخبراء.
2. تسريع الإجراءات
أصدرت السعودية عام 2023 تعميماً يلزم المحاكم بالفصل في دعاوى القسمة خلال 6 أشهر كحد أقصى.
3. مراكز فض المنازعات العقارية
تُوفّر خدمات مجانية لتحويل النزاعات إلى حلول وِدية دون اللجوء للقضاء.
الفصل السادس: دراسات حالة واقعية
الحالة الأولى: ورثة يُقسّمون أرضاً زراعية
بعد خلاف بين 8 ورثة، قررت المحكمة تقسيم الأرض إلى قطع متساوية مع تعويض مالي لمن حصل على قطع أقل جودة.
الحالة الثانية: شريك يستغل عقاراً تجارياً
رفع شريك دعوى قسمة بعد امتناع شريكه عن إدارة العقار، فحكمت المحكمة ببيعه وتوزيع الأرباح.
الخاتمة: نحو فصل الملكية بسلاسة
رغم التحديات، تبقى دعوى قسمة العقار أداة حيوية لحفظ الحقوق، خاصة مع التوجه السعودي لتنظيم السوق العقاري. ولضمان نجاحها، يجب:
- تعزيز الوعي بأهمية التوثيق القانوني للملكيات.
- تفعيل الوساطة كخطوة أولى قبل التقاضي.
- تبني تقنيات ذكية مثل التقسيم الافتراضي عبر نماذج ثلاثية الأبعاد.
في الختام، تُجسّد هذه الدعوى توازناً دقيقاً بين الأعراف الاجتماعية والضرورات النظامية، مما يعزز ثقة المستثمرين ويحفظ تماسك الأسر.