رفع دعوى قرضة حسنة في المملكة العربية السعودية
تُعد دعوى القرضة الحسنة من الدعاوى المدنية الشائعة في المملكة العربية السعودية، حيث تُرفع عندما يفشل المقترض في رد القرض الذي حصل عليه دون فائدة، وفقًا للأحكام الشرعية والنظامية. القرضة الحسنة هي قرض يُقدم بنية المساعدة دون أي ربح أو فائدة، وتستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على التكافل والتعاون. ينظم هذه الدعوى في المملكة نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) لعام 1444هـ، إلى جانب الأحكام الفقهية. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل مفهوم القرضة الحسنة، شروط رفع دعوى استردادها، الإجراءات القانونية، التحديات، والآثار المترتبة على الدعوى، مع تقديم أمثلة عملية وتوصيات للأفراد.
مفهوم القرضة الحسنة
القرضة الحسنة هي عقد بين طرفين، المقرض والمقترض، يلتزم بموجبه المقرض بتقديم مبلغ مالي أو شيء قابل للاستهلاك إلى المقترض، على أن يرده المقترض بنفس القيمة دون زيادة أو فائدة. يُعتبر هذا العقد من العقود الجائزة شرعًا، حيث يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً” (البقرة: 245). يهدف القرض الحسن إلى مساعدة المحتاجين، تعزيز التضامن الاجتماعي، وتجنب الربا المحرم شرعًا.
في الممارسة العملية، قد تُمنح القرضة الحسنة بين الأفراد، أو من خلال مؤسسات خيرية مثل جمعيات البر، أو حتى بعض البنوك التي تقدم قروضًا حسنة في إطار برامج اجتماعية. يُشترط أن يكون العقد واضحًا، سواء كان مكتوبًا أو شفهيًا، وأن يتضمن المبلغ، مدة السداد، وأي شروط متفق عليها.
شروط رفع دعوى القرضة الحسنة
لرفع دعوى استرداد القرضة الحسنة، يجب توفر شروط محددة وفق الأنظمة السعودية والأحكام الشرعية:
- وجود عقد قرض:
- يجب إثبات وجود عقد القرض، سواء كان مكتوبًا (مثل وثيقة موقعة) أو شفهيًا (بشهادة شهود أو إقرار المقترض).
- العقد يجب أن يوضح المبلغ المقترض، وأن يكون خاليًا من أي شرط فائدة، لأن الفائدة تجعل القرض ربويًا ومحرمًا.
- عدم رد القرض في الموعد:
- يجب أن يكون المقترض قد تخلف عن السداد في الموعد المتفق عليه، أو بعد مطالبة رسمية إذا لم يُحدد موعد.
- وفق نظام المعاملات المدنية، إذا لم يُحدد موعد للسداد، يُطالب المقرض المقترض برد القرض خلال مدة معقولة.
- الأهلية القانونية:
- يجب أن يكون كلا الطرفين (المقرض والمقترض) أهلاً للتعاقد، أي بالغين عاقلين غير محجور عليهما.
- إذا كان المقترض قاصرًا أو محجورًا عليه، يتم رفع الدعوى ضد وليه الشرعي.
- المدة الزمنية:
- وفق النظام، يجب رفع الدعوى خلال مدة التقادم، وهي خمس سنوات من تاريخ استحقاق السداد، ما لم يُقر المقترض بالدين أو يُجدد الالتزام.
- إثبات الدين:
- يتحمل المقرض عبء إثبات وجود القرض، من خلال وثائق (مثل عقد، إيصال، كشوف بنكية)، شهادة شهود، أو إقرار المقترض.
- إذا أنكر المقترض الدين، يُطلب منه أداء يمين نفي الدين أمام المحكمة، وإذا رفض، قد يُحكم ضده.
إجراءات رفع دعوى القرضة الحسنة
رفع دعوى القرضة الحسنة يتم عبر المحاكم العامة في السعودية، وتُتبع الإجراءات التالية:
- إعداد الدعوى:
- يقوم المقرض (المدعي) بإعداد صحيفة الدعوى، متضمنة:
- بيانات المدعي والمدعى عليه (الاسم، العنوان، رقم الهوية).
- تفاصيل القرض (المبلغ، تاريخ الاتفاق، شروط السداد).
- الأدلة (وثائق، شهود، إقرارات).
- الطلبات (استرداد المبلغ، تعويض عن التأخير إن وجد).
- يُفضل الاستعانة بمحامٍ لضمان صياغة الدعوى بشكل قانوني صحيح.
- يقوم المقرض (المدعي) بإعداد صحيفة الدعوى، متضمنة:
- تقديم الدعوى عبر ناجز:
- يتم تقديم الدعوى إلكترونيًا عبر منصة “ناجز” التابعة لوزارة العدل.
- يقوم المدعي بتسجيل الدخول، اختيار خدمة “صحيفة دعوى”، وإدخال البيانات المطلوبة.
- تُرفق الأدلة إلكترونيًا، مثل صور الوثائق أو كشوف الحسابات.
- تدفع الرسوم القضائية (إن وجدت) عبر المنصة.
- النظر في الدعوى:
- بعد تقديم الدعوى، تُحيلها المحكمة إلى القاضي المختص.
- يتم تحديد جلسة أولية، ويُخطر المدعى عليه (المقترض) رسميًا.
- إذا لم يحضر المقترض، قد تُصدر المحكمة حكمًا غيابيًا بعد التأكد من التبليغ.
- الإثبات أمام المحكمة:
- يقدم المدعي أدلته، مثل:
- عقد القرض أو إيصال موقع.
- تحويلات بنكية تثبت دفع المبلغ.
- شهادة شهود (يجب أن يكونوا عدولاً ويشهدوا على واقعة القرض).
- يحق للمقترض الدفاع عن نفسه، مثل إنكار الدين أو إثبات السداد.
- إذا لم يتمكن المقترض من إثبات السداد، يُطلب منه أداء يمين نفي الدين.
- يقدم المدعي أدلته، مثل:
- إصدار الحكم:
- إذا ثبتت الدعوى، تُصدر المحكمة حكمًا بإلزام المقترض برد المبلغ المستحق.
- قد تشمل الأحكام تعويضًا إذا ثبت أن التأخير تسبب في ضرر للمقرض (مثل خسارة فرصة استثمارية).
- إذا رفضت الدعوى لعدم كفاية الأدلة، يحق للمدعي الاستئناف.
- الاستئناف والتنفيذ:
- يحق للطرفين استئناف الحكم خلال 30 يومًا من تاريخ صدوره أمام محكمة الاستئناف.
- إذا أصبح الحكم نهائيًا، يُحال إلى محكمة التنفيذ لإلزام المقترض بالسداد.
- في حالة عجز المقترض عن السداد، قد تُتخذ إجراءات مثل الحجز على أمواله أو ممتلكاته.
الآثار المترتبة على دعوى القرضة الحسنة
رفع دعوى القرضة الحسنة يترتب عليه آثار قانونية واجتماعية:
- الآثار القانونية:
- إلزام المقترض: إذا ثبت الدين، يُلزم المقترض برد المبلغ بالكامل، وقد يُضاف تعويض إذا ثبت الضرر.
- الحجز على الأموال: في حالة الامتناع عن السداد، تُتخذ إجراءات تنفيذية مثل الحجز على الحسابات البنكية أو العقارات.
- التقادم: إذا لم يُطالب المقرض بالدين خلال خمس سنوات، قد تُسقط الدعوى ما لم يُقر المقترض بالدين.
- الآثار الاجتماعية:
- قد تؤثر الدعوى على العلاقات الاجتماعية، خاصة إذا كان القرض بين أقارب أو أصدقاء.
- يُنصح بالتفاهم ومحاولة التسوية الودية قبل اللجوء إلى القضاء للحفاظ على الروابط الاجتماعية.
- الآثار الاقتصادية:
- استرداد القرض يُعيد السيولة المالية للمقرض، مما يتيح له استخدام المبلغ في احتياجاته أو استثماراته.
- بالنسبة للمقترض، قد يؤدي الحكم إلى ضغوط مالية، خاصة إذا كان في وضع اقتصادي صعب.
التحديات في رفع دعوى القرضة الحسنة
رغم وضوح الإجراءات، تواجه دعاوى القرضة الحسنة تحديات عديدة:
- صعوبة الإثبات:
- إذا كان القرض شفهيًا دون وثائق، يصبح الإثبات معتمدًا على الشهود، وقد يرفض المقترض الدين.
- الحل: توثيق القرض بعقد مكتوب أو إيصال، مع الاحتفاظ بأي دليل مادي مثل التحويلات البنكية.
- إنكار المقترض:
- قد ينكر المقترض الدين أو يدعي أن المبلغ كان هبة وليس قرضًا.
- الحل: الاعتماد على شهود عدول أو إقرار مكتوب من المقترض.
- التأخير في التقاضي:
- قد تطول إجراءات المحاكم، خاصة إذا استأنف المقترض الحكم.
- الحل: تقديم دعوى مستوفية الأدلة منذ البداية لتسريع الإجراءات.
- عجز المقترض:
- إذا كان المقترض غير قادر على السداد، قد لا يسترد المقرض المبلغ بالكامل.
- الحل: طلب تسوية دين عبر دفعات أو التفاهم مع المقترض قبل الدعوى.
أمثلة عملية
- مثال 1: قرض بين أفراد:
- قدم أحمد قرضًا حسنًا بقيمة 50,000 ريال لصديقه خالد، مع وثيقة موقعة تُحدد السداد خلال سنة. بعد انتهاء المدة، رفض خالد السداد مدعيًا أن المبلغ كان هدية. رفع أحمد دعوى عبر ناجز، وقدم الوثيقة وشهادة شاهدين. أصدرت المحكمة حكمًا بإلزام خالد برد المبلغ مع رسوم التقاضي.
- مثال 2: قرض شفهي:
- أقرضت فاطمة جارتها نورة 20,000 ريال دون وثيقة، بناءً على اتفاق شفهي. عند المطالبة، أنكرت نورة الدين. قدمت فاطمة شهادة شاهدين وكشف حساب يثبت التحويل. طلبت المحكمة من نورة أداء يمين نفي الدين، لكنها رفضت، فحكمت المحكمة لصالح فاطمة.
توصيات للأفراد
- توثيق القرض:
- احرص على توثيق القرض بعقد مكتوب يوضح المبلغ، مدة السداد، وتوقيع الطرفين.
- استخدم إيصالات أو تحويلات بنكية كدليل مادي.
- التفاهم الودي:
- قبل رفع الدعوى، حاول التفاهم مع المقترض ومنحه مهلة إضافية إذا كان في ضائقة مالية.
- يمكن اللجوء إلى الصلح عبر مراكز المصالحة التابعة لوزارة العدل.
- الاستعانة بمحامٍ:
- استشر محاميًا مختصًا لصياغة الدعوى وتقديم الأدلة بشكل قانوني.
- يمكن للمحامي مساعدتك في التفاوض مع المقترض لتجنب التقاضي.
- الاحتفاظ بالأدلة:
- احتفظ بجميع الوثائق، الرسائل، أو التسجيلات (إن كانت قانونية) التي تثبت القرض.
- تأكد من وجود شهود عدول إذا كان القرض شفهيًا.
- التوعية القانونية:
- اطلع على حقوقك وواجباتك وفق نظام المعاملات المدنية.
- تابع التحديثات القانونية عبر موقع وزارة العدل أو منصة ناجز.
الخاتمة
رفع دعوى القرضة الحسنة في المملكة العربية السعودية يُعد آلية قانونية فعالة لاسترداد الحقوق، خاصة مع التسهيلات التي توفرها منصة ناجز والأنظمة الحديثة. من خلال الالتزام بالشروط والإجراءات، وتقديم أدلة كافية، يمكن للمقرض استرداد ماله وضمان العدالة. ومع ذلك، يبقى التوثيق الدقيق والتفاهم الودي قبل التقاضي من أفضل السبل لتجنب النزاعات. إن القرضة الحسنة تعكس قيم التكافل والتعاون في المجتمع السعودي، ولكن يجب أن تُدار بحكمة لضمان حقوق الجميع.